🕊 من القدس إلى باريس: ترميمٌ يوحّد الرموز ويُحيي الحوار
في زمنٍ تتصاعد فيه النزاعات وتتعالى فيه الأصوات المتطرفة، برزت مبادرتان لافتتان تحملان في طيّاتهما رسالة سلام وتعايش، بعيدًا عن الشعارات السياسية أو الحسابات الجيوستراتيجية. الأولى تتعلق بترميم المسجد الأقصى، أحد أقدس المعالم الإسلامية، والثانية بتمويل إعادة ترميم كاتدرائية نوتردام في باريس، أحد أبرز رموز المسيحية الغربية.
الخطوتان، رغم اختلاف السياقين الدينيين والجغرافيين، تلتقيان في جوهرهما: إحياء الرموز الروحية، وصون الذاكرة الجماعية، وتعزيز جسور الحوار بين الحضارات. فالمسجد الأقصى، الذي يعاني من الإهمال والتوترات السياسية، يحتاج إلى دعم فعلي يحفظ مكانته الدينية والتاريخية، بينما نوتردام، التي احترقت في مشهدٍ هزّ العالم، تمثل جزءًا من التراث الإنساني المشترك، بغض النظر عن الانتماء الديني.
هذه المبادرات تعكس ما يُعرف اليوم بـالدبلوماسية الثقافية، وهي مقاربة حديثة في العلاقات الدولية، تعتمد على القوة الناعمة، وعلى الرمزية بدل الصراع، وعلى الفن والتراث بدل السلاح. حين تختار دولة أو جهة ما أن تساهم في ترميم معلم ديني خارج حدودها، فهي لا تشتري النفوذ، بل تبني الاحترام، وتُرسّخ صورةً إيجابية في الوعي العالمي.
في هذا السياق، تبرز أهمية المقاربة الروحية في السياسة الخارجية، حيث يُنظر إلى الدين لا كأداة للتفرقة، بل كجسر للتواصل. ترميم الأقصى ونوتردام في وقتٍ واحد، ليس صدفة، بل رسالة مزدوجة: أن الإسلام والمسيحية، رغم اختلافهما، يشتركان في الحاجة إلى الحماية، والرعاية، والاحترام.
كما أن هذه التحركات تكتسب بعدًا إنسانيًا عميقًا، خاصة في ظل ما يشهده العالم من موجات تشدد، وتطرف، وتسييس للدين. حين يُرمّم معلمٌ ديني، يُرمّم معه جزءٌ من الضمير الإنساني، ويُعاد الاعتبار لقيم التسامح، والانفتاح، والعيش المشترك.
الصور القادمة من القدس وباريس، رغم تباعد المسافة، تحمل نفس الإشارات: عمال يرمّمون، حجارة تُعاد إلى مكانها، قباب تُلمّع، وأجراس تُصلح. وكأن العالم، رغم كل شيء، لا يزال قادرًا على أن يُعيد بناء ما تهدّم، لا بالحقد، بل بالأمل.
0 comments :
إرسال تعليق