20190422

بين فرنسا والمغرب: رفاهية الاحتجاج مقابل صمت الحاجة

في فرنسا، خرج آلاف المواطنين إلى الشوارع مرتدين "السترات الصفراء"، احتجاجًا على زيادة طفيفة في أسعار المحروقات. من بينهم باتريك، شاب يبلغ من العمر 24 عامًا، يعمل في وظيفة مستقرة، وزوجته كذلك. دخلهما مرتفع، وأطفالهما يتلقون تعليمًا مجانيًا في مؤسسات ذات جودة عالية. يسكن باتريك في منزل مريح مزوّد بجميع وسائل الراحة: كهرباء، ماء، غاز، وإنترنت. الدولة تضمن له الرعاية الصحية المجانية، وسائل النقل، تعويضًا في حال فقدان العمل، وتقاعدًا يضمن له حياة كريمة.
ورغم كل هذه الامتيازات، اعتبر باتريك أن الزيادة في سعر الوقود تهديد مباشر لمستقبله ومستقبل أبنائه، فاختار الشارع وسيلة للتعبير عن رفضه، مدفوعًا بإحساس عالٍ بالحق والمواطنة.
في المقابل، يعيش نبيل، المواطن المغربي الأربعيني، واقعًا مختلفًا تمامًا. لا عمل، لا سكن، ولا قدرة على الزواج. ليس لأنه لا يريد، بل لأنه لا يستطيع. فواتير الماء والكهرباء تلتهم نصف دخل أسرته، رغم رداءة الخدمات. يدفع اشتراكات إضافية لا يعلم عنها شيئًا، ويُفاجأ بضرائب جديدة كل شهر، دون أن يرى مقابلًا ملموسًا.

نبيل فقد والده بسبب خطأ طبي، ولم يُحاسب أحد. والدته المسنّة تعاني من المرض، ولا تغطية صحية أو تقاعد يضمن لها العلاج أو الكرامة. لا مظلة اجتماعية، ولا صوت يُسمع. ورغم كل هذا، لا يخرج نبيل إلى الشارع، لا يرتدي سترة، ولا يطالب بحقوقه، ربما لأنه لا يملك رفاهية الاحتجاج، أو لأنه فقد الثقة في جدوى المطالبة.

بين باتريك ونبيل، تتجلى مفارقة صارخة: حين يحتج المرفّه دفاعًا عن مكتسباته، يصمت المحروم لأنه لا يملك شيئًا ليُدافع عنه. إنها قصة مواطنة تُمارَس هناك، وتُغتال هنا، بصمت.








0 comments :

إرسال تعليق

حملة بريس | hamlapress