20161205

الصورة التي تنقاقلها الإعلام الإسباني . لصاحب هذا الثور


     قبلة الثور الأخيرة: حين خان الإنسان فطرة الوفاء


في قلب الحلبة، حيث تصرخ الجماهير وتُرفع السيوف، كان الثور ينزف. جسده المثقل بالجراح يترنح بين صيحات المتفرجين، كل طعنة في ظهره كانت تصفيقًا، وكل نزيف كان متعةً لمن اعتادوا على مشهد الألم وكأنّه عرضٌ ترفيهي.

لكن وسط هذا الجنون، حدث ما لم يكن في الحسبان.

الثور، في لحظة ضعفٍ وإنسانيةٍ نادرة، لمح وجهًا يعرفه. صاحبه. ذاك الذي ربّاه، أطعمَه، ورافقه في سنواته الأولى. لم يكن يعلم أن هذا الوجه، الذي ظنّه ملاذًا، هو ذاته الذي باعه ليُسلّي جمهورًا متعطشًا للدم.

ركض إليه، لا ليهاجمه، بل ليحتمي به. اقترب منه، رغم الدماء، رغم الألم، رغم السيوف المغروسة في ظهره، وقبّله قبلةً دامية. قبلةً لا تحمل سوى الحب، الرجاء، والوفاء.

كانت تلك القبلة، في نظر البعض، مشهدًا غريبًا. لكن في نظر من فهم، كانت شهادةً دامغة على أن الحيوان، مهما بدا شرسًا، لا يعرف الخيانة. وأن الإنسان، مهما ادّعى الرقي، قد يبيع أقرب الكائنات إليه من أجل تصفيقٍ أو مالٍ أو لحظة نشوة.

الصحيفة الإسبانية عنونت الحدث بجملةٍ تختصر كل شيء:  
"لا يوجد حيوان في العالم أكثر وحشية من الإنسان!"


وهل بعد هذه القبلة من دليل؟  
هل بعد هذا المشهد من تبرير؟  
أي قلبٍ ذاك الذي يرى الوفاء ويكافئه بالخيانة؟  
أي عقلٍ يبرر المتعة على حساب الألم؟  
أي حضارةٍ تلك التي ترفع السيوف على كائنٍ لا يعرف سوى الحب؟

الثور لم يكن مجرد ضحية. كان مرآةً لنا. مرآةً تعكس بشاعة ما وصل إليه الإنسان حين ينسى الرحمة، ويستبدلها بالفرجة.

ربما كانت تلك القبلة، في لحظة موت، أبلغ من ألف خطبة.  
ربما كانت تلك النظرة، قبل السقوط، أصدق من كل شعارات الإنسانية.








الخبر الحديث
السابق
هذا آخر موضوع.
  

0 comments :

إرسال تعليق

حملة بريس | hamlapress