20191004

الفقر والتهميش يفتح الحدود الجزائرية المغربية بعد ربع قرن من إغلاقها


 في مشهد مأساوي جديد، شهدت السواحل الجزائرية انقلاب قارب للهجرة السرية كان يقلّ أكثر من ستة عشر شابًا تتراوح أعمارهم بين 22 و29 سنة، في محاولة يائسة لعبور البحر نحو القارة الأوروبية، هربًا من الفقر والتهميش. الحادث، الذي وقع بسبب عطب ميكانيكي مفاجئ، خلّف صدمة كبيرة في صفوف عائلات الضحايا، خاصة بعد تأكيد السلطات الجزائرية انتشال ثمانية جثامين، من بينهم ثلاثة شبان ينحدرون من مدينة تاوريرت المغربية.


ورغم صعوبة التنقل والإجراءات القانونية، تمكنت عائلات الضحايا، بدعم من جمعيات مدنية، من التنقل إلى الجزائر لاستكمال الإجراءات الإدارية، والمطالبة بنقل الجثامين برًا إلى المغرب قصد دفنها في مسقط الرأس. يوم الخميس، تم تسليم الجثامين عبر المعبر الحدودي "زوج بغال"، وسط حضور كثيف من سكان المناطق الحدودية، وأقارب الضحايا، في لحظة إنسانية مؤثرة.


اللافت في هذه الواقعة أن معبر "زوج بغال"، المغلق منذ سنة 1994 على خلفية التوترات الأمنية والسياسية بين البلدين، فُتح لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود، فقط من أجل تسليم جثامين شباب قضوا في رحلة الموت. هذا الفتح المؤقت أعاد إلى الواجهة مطالب شعبية متزايدة بضرورة إعادة فتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر، خاصة في ظل المعاناة اليومية التي يعيشها سكان المناطق الحدودية، والروابط العائلية التي مزقتها السياسة.


في الأشهر الأخيرة، تصاعدت الاحتجاجات المطالبة بفتح المعبر، وسط دعوات لتجاوز الخلافات السياسية، وتغليب منطق الجوار والتكامل. الملك محمد السادس، في أكثر من خطاب رسمي، عبّر عن أسفه لاستمرار إغلاق الحدود، ودعا إلى تطبيع العلاقات وإعادة بناء الثقة، إلا أن هذه المبادرات لم تلقَ تجاوبًا فعليًا من الجانب الجزائري.


ويظل ملف الصحراء المغربية العقبة الأبرز في وجه أي تقارب بين البلدين، إذ كلما ظهرت بوادر تهدئة، عاد الملف ليُعقّد المشهد. الدورة الرابعة والسبعون للجمعية العامة للأمم المتحدة أعادت الملف إلى الواجهة، بعد أن ناقشه وزير الخارجية الجزائري مع نظيره الفرنسي، في لقاء وصفته الصحافة الدولية بالحساس، نظرًا لتباين وجهات النظر حول هذا النزاع الذي يُعد من أقدم الملفات المطروحة أمام الأمم المتحدة.


في النهاية، تبقى مأساة قارب الموت أكثر من مجرد حادث عرضي، بل هي مرآة تعكس عمق الأزمة الاجتماعية، وتُعيد طرح الأسئلة الكبرى حول الحدود، الهجرة، والسياسة في المنطقة المغاربية.


0 comments :

إرسال تعليق

حملة بريس | hamlapress